29‏/08‏/2012

الصناعة العسكرية للثوار السوريين: الحاجة ونقص الامدادات تدفع نحو تعاون الجميع في ابتكار اسلحة المواجهة

قذائف هاون مصنعة محليا (نيويورك تايمز)
 
 
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" اليوم الاربعاء تقريرا لاحد مراسليها في سوريا، يصف فيه مشاهداته حول قدرات الجيش السوري الحر وطبيعة الامكانيات اللوجستية التي يمتلكها في مواجهة الجيش السوري. ويتضح من التقرير كيف دفع النقص في المعدات العسكرية المناسبة لطبيعة المواجهات الى اللجوء الى التصنيع المحلي الذي يفتقر الى التقنيات الحديثة ولا يصنف الى ضمن العتاد الدفاعي. هنا نص التقرير:

"في الوقت الذي توهجت فيه شمس منتصف الصيف فوق هذه المدينة السورية المهجورة جزئيا خلال ظهيرة احد الأيام اخيرا، ظهر شابان في شاحنة صغيرة في زقاق قرب عدة ورش لتصليح السيارات. وبرز من قاع الشاحنة انبوب من الصلب بطول ثلاثة اقدام تقريبا وعرضه انشان ونصف، استند على اطار بسيط.

هذه الجهود المتنوعة تعتبر محليا عنصرا ضروريا لخلع نظام الاسد، ووسيلة يمكن لهؤلاء الرجال غير القادرين او الميالين للقتال بالبنادق استخدامها للمساهمة في الثورة. الانبوب ليس للسباكة. انها عبارة عن مورتر محلي الصنع كان يستخدم في تموز (يوليو) في المعركة على اعزاز، وهي مدينة في شمال سوريا دحر فيها مقاتلون مناهضون للحكومة جيش الرئيس بشار الاسد.
وقال مصطفى: "الان لدينا 3 او اربعة منها، ونحتاج الى صنع المزيد". أحد الرجال الذين قاموا بتجميع الاسلحة في محلات ميكانيك صغيرة، وهي التي كانت منذ العام الماضي جانبا اساسيا من الثورة ضد الحكومة السورية التي شنها رجال لا يحملون بأنفسهم السلاح غالبا.

ويقول مصطفى الذي يتضمن عمله اليدوي ايضا صنع قذائف هاون محلية الصنع: "يمكننا ان نصنع يوميا 25 قذيفة"، وهذا العمل هو جزء من جهد اساسي لصنع الترسانة المتنوعة للمقاتلين. وهي التي تشكل عنصرا اساسيا في بقاء الثوار ونجاحاتهم الاخيرة ضد جيش مدرب مهنيا كانوا عالقين في صراع معه على مستقبل سوريا.

وانتظم اصحاب مهن تجارية متنوعة وتجار محليون، يعملون معا بناء على طلب المقاتلين المناهضين للحكومة، في شبكة تتعاون في صناعة الاسلحة، وذلك جزئيا عن طريق تفويض مهمات مختلفة لمهن مختلفة. البعض يمزج المتفجرات والمواد الدافعة، وهي وظيفة قال احد المنظمين- احمد تركي- ان دهانا محليا لديه خبرة في مزج المواد الكيماوية كان الافضل في انجازها. آخرون مع مهارات كهربائية يربطون دارات القنابل المحلية الصنع.

ويقوم الميكانيكيون ومختصون في الصناعات المعدنية بتجميع الصواريخ والهاون، اضافة الى هياكل قاذف الهاون وقذائف المدفعية في اسطوانات كبيرة تستخدم لحفظ الشحنات في العبوات الناسفة التي تزرع على جانب الطرق او في الشاحنات. (ويقوم هؤلاء الرجال ايضا بتصنيع مساند الشاحنات للرشاشات التي يتم الاستيلاء عليها من القوات الحكومية، واحدى التصميمات الفريدة شملت استخدام قرص فرامل من دراجة نارية لوقف حركة السلاح في الوقت الذي يعدل فيه مستخدمه مستوى رفع الرشاش). ويقوم آخرون بازالة مواد الدافعة من قذائف الدبابات والمدفعية التي يتم الاستيلاء عليها ثم استخدامها لاغراض اخرى في اسلحة الثوار.

وفي الوقت الذي ناشدت فيه القوات المعارضة للأسد، من دون نجاح كبير الغرب للحصول على الاسلحة والاسناد الجوي الاجنبي، فان الثوار تابعوا عن كثب مشروعهم الخاص وقاموا بتطوير الفنون المظلمة لصناعة السلاح بسرعة مذهلة.

ومن نواح عديدة، فان الاسلحة التي جمعتها الثورة هنا تشبه تلك التي شوهدت خلال عمليات التمرد التي تم خوضها ضد القوى الغربية من جانب عراقيين او ضد اسرائيل من جانب فلسطينيين. وقال مشاركون في الجهد الى ان هذا يعود جزئيا الى انهم استطاعوا تصميم اسلحتهم وفقا لنماذج الاسلحة المستخدمة في انتفاضات الشرق الاوسط.

وقال السيد تركي، الذي قام منذ ذلك الحين بتصميم سبعة انواع مختلفة من الصواريخ المتفجرة متوسطة المدى: " قلدنا النسخة الاصلية للصواريخ الفلسطينية". ووضع تركي ايضا خططا لقطعة مدفعية مقطورة تعبأ من الخلف قياس 62 مليمترا لا تزال قيد التطوير والتي عرضت، بين الاختبارات، على صحافيين من "نيويورك تايمز".

وخلط الاسلحة التي تم الاستيلاء عليها من أعداء مع اسلحة تم تهريبها عبر الحدود اضافة الى الاسلحة التي صنعها انصار الثوار قد صنع كوكبة من المحلات الخفية، تمكنت من خلالها كتائب المليشيات السورية من دحر القوات السورية المسلحة تقليديا بعيدا عن مناطق الريف الشمالية، ومن محاصرة الحكومة في مناطق معينة.

وتكمن اهمية هذه الصناعة التي تصنع في الخفاء - وهي فعالة وغنية بالموارد، وان كانت خطرة ايضا- في كونها ابعد من مجرد مصدر امداد. فهي مؤشر ايضا على كل من التنظيم المحلي للثوار وغياب الدعم اللوجستي الخارجي تقريبا.

ونجاح الثوار في تصنيع القنابل المرتجلة اثبت فعاليته في القيام بدور فعال في منع القوات الحكومية والمليشيات الموالية لها من السيطرة على المناطق. وساعد تقييم حديث للمعدات ومقابلات مع مهربين وعمال عن قرب مع وحدات مناهضة للحكومة في الكشف عن صناعة اسلحة اكبر واكثر تجذرا خارج سيطرة النظام السوري.

وينظر محليا بأهمية لمثل هذه الجهود المتنوعة لخلع نظام الاسد، وخاصة اؤلئك الذين لا يقوون على القتال المباشر بالبنادق او لا يتوافقون معه، لكنهم يريدون المشاركة في الثورة.

وقال مصطفى، الذي طلب مثل عدة رجال تمت مقابلتهم لهذا المقال عدم الكشف عن اسم عائلته لاسباب امنية: "كنا نعاني من نقص المعدات. ولذلك بدانا نقوم باعمالنا بتلك الطرق".

وينظم السيد تركي اختبارات للاسلحة التي تتطلب درجة من الثبات والاتساق، مثل الصواريخ والهاون، والتي يجب تحديد مداها وتثبيت طيران مقذوفاتها من خلال الزعانف او الالتفاف. وقطعة المدفعية التي ساعد في نقلها الى الواقع عن لوح التصميم قد اطلقت نحو 20 مرة، رغم ان مداها لم يكن مثاليا حتى الآن. وقال بدر، الذي صنع السلاح بمعونة مساعده محمد البالغ 15 عاما: "لا زلنا نعمل على القذائف".

وقال بدر ان السلاح سمي "دعدول" وهي كناية سورية عن الرجل الممتلىء النشيط. وعندما سئل عما اذا كان السلاح سيكون جاهزا للاستخدام في المعركة، حرك رأسه نحو قفص حليب مليء بالقذائف محلية الصنع.

كل منها جرى تجميعها من انابيب وتجهيزات صينية وهي مغطاة بجسم فتيل مخيط من الالومنيوم المصبوب. وتم تجميع صاعق تفجير بسيط من صاعق مجوف مليء بالمتفجرات. ويهدف هذا الى اشعال الشحنة الرئيسية للمقذوفات لدى اصطدام القذيفة بالارض. وقال بدر: "باذن الله ستقوم باستخدام هذه قريبا".

وبالاضافة الى هذه المشاريع، فان الثوار حصلوا على الكثير من الاسلحة ومكونات السلاح من مهربين. وتشمل هذه اغطية متفجرة للقنابل ومكونات هاتف تستخدم في صنع الصواعق التي يتم التحكم بها عن بعد. ويقول الثوار انهم تلقوا الدعم من مصدر كان يبدو غير مقبول ذات مرة: اسلحة مصدرها البنتاغون كان قد وزعها على قوات الامن العراقية.

وقبل يومين من عرض مصطفى للهاون الذي صنعه، وصل رجل سني قبلي استخدم اسم ابو خالد على متن شاحنة الى مجمع سكني يستخدم كقاعدة للثوار. وكان ابو خالد، الذي لديه افراد اسرة في محافظة الانبار في العراق وفي شرق سوريا، مهربا يقوم بايصال اسلحة.

وفي هذا اليوم كان لديه ثلاثة رشاشات خفيفة من نوع "آر بي دي" ومورتر قياس 60 مليمترا وخمس قذائف مورتر وكيس من خراطيش البنادق قياس 7،62*54. وقال الثوار ان ابو خالد هو احد مزوديهم الثابتين، وانه كان ينقل الاسلحة من العراق منذ بدء الثورة العام الماضي.

وخلال مقابلة، قال ابو خالد انه حصل على الاسلحة من ضباط في الشرطة والجيش العراقي الذين باعوا بحرية مخزونا قديما من الاسلحة التي زودتهم بها الولايات المتحدة. وقال ابو خالد: "انهم يبيعون كل شيء"، في اشارة الى ما وصفه بالأجهزة الامنية الفاسدة في العراق.

واشار الى قذائف المورتر قائلا: "اشتريت هذه من اشخاص شيعة حصلوا عليها من قوات اميركية". ودفع عبد الحكيم ياسين، قائد الثوار الذي استقبله في المجمع، له مقابل الاسلحة، حيث سلمه رزمة سميكة من الليرات السورية.

وبعد وجبة شاركه فيها المقاتلون وقائدهم، سارع ابو خالد والرجلان اللذان قدما معه للمغادرة. كانوا مزودين بقائمة تسوق جديدة، تتضمن طلبا لشراء صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف- وهي رتبة من الاسلحة التي يقول الثوار بشكل روتيني انهم يحتاجون اليها ولكنهم لا يستطيعون صنعها في الكراجات. وقال ابو خالد ان كل رجل يحاول تنفيذ واجبه لتحقيق نفس الهدف. واضاف: "نحن لن نستمتع ابدا بالطعام او النوم او الشراب او العيش مثل البشر قبل ان يسقط هذا النظام".

المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق