31‏/07‏/2011

الحرب المضادة للغواصات

موسى القلاب*
جرى تعريف الحرب المضادة للغواصات بأنها " تلك العمليات القتالية التي تُنفذ بقصد تحقيق الهيمنة والسيادة البحرية تحت سطح الماء؛ ما يتيح للقوات البحرية الصديقة إنجاز المهام المطلوبة، وحرمان قوات العدو البحرية من استخدام الاسلحة والانظمة المخصصة للحرب تحت السطح بفعالية وحرية ضد القوات الصديقة" .
تشمل منظومة الحرب المُضادة للغواصات كافة الاسلحة والمعدات المضادة للغواصات، بما فيها جميع انواع الغواصات الهجومية والدفاعية، والمدمرات والفرقاطات والاسلحة والذخائر، كالطوربيدات والمدافع الساحلية وصواريخ كروز ووسائل ومعدات حرب الالغام.
تركز قيادة الحرب المضادة للغواصات وألغام ما تحت السطح في الاسلحة البحرية العالمية المتقدمة على مهام ردع الغواصات المعادية ومكافحة الالغام البحرية بكافة انواعها واحجامها، تحت سطح الماء وفي الاعماق، ما يؤمن حرية الملاحة البحرية على المستويين العسكري والتجاري في المحيطات واعالي البحار والممرات والمضائق والخلجان. حيث تنخرط جميع عناصر ومنصات ومكونات سلاح البحرية في هذا الواجب، وبصورة رئيسية الغواصات وسفن السطح للقتال، والطائرات ثابتة الجناح والعمودية العاملة مع سلاح البحرية، ووحدات المراقبة البحرية، ونظم القيادة والسيطرة البحرية .
التحولات في مهام الغواصات
منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة جرت تحولات جذرية على مفهوم مهام الغواصات، إذ انتقلت من عمليات القتال في المياه العميقة والمحيطات واعالي البحار الى المياه الضحلة على المناطق الساحلية حيث صدى الاصوات الخارجية، وضعف انتشار اصوات الغواصات المرصودة عن بُعد، وحركة السفن المحلية على الشواطيء، وقرب الموانىء البحرية. علاوةً على تصاعد حدة الاهداف الوهمية، وإرتدادات قيعان البحار والخلجان الصونارية والرادارية. وهذا ما يجعل من مهام الغواصات القتالية أمراً صعباً، لا سيما عند إطلاق أسلحة الطوربيد في مثل هذه البيئة المزدحمة بالضجيج العالي الوتيرة، ما يجعل الحاجة ملحة للغاية نحو المزيد من نُظم التوجيه والتحكم الدقيقة .
وعليه فإن معظم النظم الصونارية المتقدمة، على متن الغواصات والسفن والزوارق المُخصصة لحرب ما تحت السطح، لا بد من ان تخضع لعمليات تطوير وتحديث ومعايرة وتجارب، لرفع مستوى الاشارات المرتدة، وتقويتها ومعالجتها لتحسين مختلف انواع غواصات الديزل صغيرة ومتوسطة الحجم العاملة في المناطق الساحلية، ونُظُم العمليات الالكترونية المعاكسة المُثبتة عليها.
المكونات الرئيسية للحرب المضادة للغواصات
تتألف تشكيلة الحرب الحديثة المضادة للغواصات من خمس وحدات قتالية فنية رئيسية هي :
- الغواصات والقطع البحرية والاسلحة والمعدات العاملة تحت سطح الماء، المأهولة منها وغير الماهولة.
- أنظمة الاستشعارعن بُعد (للبحث والمراقبة والمتابعة وتحديد مواقع التهديدات) تحت سطح الماء.
- أنظمة مكافحة الالغام البحرية والعوائق والاجسام المعدنية تحت سطح الماء.
- طائرات البحرية، ثابتة الجناح والعمودية.
- أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات والحواسيب والاستخبارات
C4ISR
.
- أنظمة القتال وادارة المعركة البحرية تحت سطح الماء.
ما زالت القوات البحرية العالمية، وهي على اعتاب القرن الواحد والعشرين، تُعنى خلال حملاتها البحرية الحالية والمستقبلية بإهتمام بالغ نحو شن الهجمات البحرية عن طريق تعزيز إستمرارية قدراتها القتالية في مجال العمليات القتالية المركزية من البحر، لا سيما شل قدرات الغواصات المعادية وتعطيل ادوارها واحباط مهامها العدوانية في مواجهة القوات البحرية الصديقة.
وعليه تركز أبحاث تقنيات الحرب المضادة للغواصات على تصميم وإنتاج وتطوير وحيازة البرامج الكفيلة بمواجهة تهديدات الغواصات البحرية المُضادة، وبشكل خاص في المياه الزرقاء العميقة وفي السواحل الضحلة المعرضة لتحديات جديدة على حد سواء.
وتشمل الاهتمامات الوطنية للدول البحرية مزيداً من مهام عمليات التجسس والمراقبة والاستطلاع في هذا النطاق، بهدف تحقيق قدرات التفوق البحري لمواجهة التهديدات البحرية ومن ضمنها الغواصات، علاوةً على إعاقة التهديدات الطارئة للقوات البحرية المُشتركة المعادية في المستقبل، وتأمين الحضور البحري الفعال سراً وعلانيةً قبل وقوع أي عمليات بحرية معادية، وفي مقدمتها حرب الغواصات، والتي ستكون فيها مهمة الخصوم المحتملين الاولى هي شل القدرات القتالية البحرية للقوات البحرية الصديقة، وإطلاق الهجمات المعادية ضد المرافق الحيوية الصديقة من مديات قريبة ومؤثرة.
نظام القتال البحري تحت السطح AN/SQQ-89(V)15
يزود هذا النظام سفن السطح القتالية بقدرات مرنة ومترابطة مثل الكشف وتحديد الموقع والتصنيف والتهديف وإطلاق الاسلحة ضد الاهداف المعادية وغير المعروفة المتواجدة تحت سطح الماء، كالغواصات المعادية التقليدية وروبوطات الاعماق. وذلك لتأمين صورة ترابطية للموقف التعبوي من خلال استقبال ومعالجة البيانات والمعلومات التي تجمعها أدوات الاستشعار الايجابية والسلبية، عن طريق المستشعرات المثبتة على جسم السفينة، أوعلى المعدات البحرية المقطورة من قبل الزوارق والسفن.
ويدمج نظام AN/SQQ-89(V)15 مع نظام " أيجس AEGIS " للقتال البحري؛ ويشكل معه قاعدة انطلاق رئيسية واسعة النطاق لكافة الاعمال القتالية البحرية تحت السطح، عن طريق نُظُم الاستشعار الموجبة والسالبة ونظم التحكم بالنيران تحت سطح الماء واجهزة التدريب المحمولة على السفن وانظمة العرض الفرعية عالية التطور، حيث جرى تثبيته على الطرادات والمدمرات العائدة لمجموعات حاملات الطائرات.
أدوار التقنيات الحديثة
تهتم التقنيات الحديثة وثورة الصناعات العسكرية بعدة جوانب خلال تنفيذ عمليات الحرب المضادة للغواصات؛ حيث من أهم أدوارها ما يلي :
- الفعالية القتالية
- الصمود
- القدرة على تحمل التكاليف
وفي هذا السياق تقوم الولايات المتحدة الاميركية واليابان والصين والاتحاد الاوروبي – على سبيل المثال – لا الحصر، بتأمين متطلبات الحرب المضادة للغواصات من خلال العوامل التالية :
- مستشعرات صغيرة الحجم ودائمة العمل ومنتشرة في كل مكان على مسرح العمليات البحري، بحيث تكون ميسرة الكلفة وعلمية الطابع وذات أشكال عسكرية وتجارية؛ برية وبحرية وجوية وفضائية، متعددة الاطياف والتقنيات الفيزيائية.
وهي تتمتع بمزايا مختلفة منها:
- روبوطية وآلية العمل على نطاق واسع .
- قادرة على إطلاق أسلحة موجهة ودقيقة الاصابة وطويلة المدى.
- منصات وأسلحة ومعدات كشف وانذار ذات مواصفات تقنية عالية من حيث صغر الحجم وسرعة الحركة، ويمكن الحصول عليها من دون تكاليف باهضة.
- أنواع جديدة مضادة للحرب النووية والكيميائية والجرثومية.
- مضادة للتشويش الالكتروني على الاتصالات والانظمة البصرية والملاحية.
- تعزيز قوة وحجم الذخائر والمتفجرات التي تحملها.
- توفيرالبعد الرابع لأسلحة الدمار الشامل غير التقليدية المتمثل بعمليات حرب المعلومات المادية والالكترونية.
أجيال جديدة من الأسلحة والذخائر
تشمل الاجيال الجديدة من الاسلحة والذخائر(ولاتقتصر) على ما يلي :
- صواريخ كامنة شبه مغمورة تحت سطح الماء مضادة للجو والسطح وتحت السطح، لتعمل من خلال المُستشعرات ونظام الانترنت لتعزيز قدرات التهديف ضد الغواصات المعادية في الاعماق وعلى السطح.
- مركبات غير مأهولة جوية وتحت الماء تعمل عبر المحيطات والبحار.
- ألغام تحت السطح وعائمة على السطح وعوائق ميكانيكية مضادة للغواصات .
- صواريخ بالستية وتكتيكية جوالة بعيدة المدى .
- مدافع بحرية بعيدة المدى محمولة في البحر وثابتة على السواحل قادرة على استخدام عصف الامواج البحرية السريعة، بواسطة تقنيات متطورة في هذا المجال.
طوربيدات قيد الاستخدام
لا تقتصر التحديات المستقبلية التي تواجهها الطوربيدات المضادة للغواصات من الاجيال الحالية على عمليات التطوير والتحسين فحسب، بل تتعدى ذلك الى استثمار التقنيات المتقدمة التي من المتوقع ان
تظهر الى حيز الوجود مع مجموعة اسلحة الجيل القادم المتطورة، حيث السرعة العالية والشبحية المتكاملة، علاوةً على مفاهيم جديدة حول نُظم الاشتباكات واطلاق النيران، ما يوفر الامكانيات القتالية المطلوبة واللازمة للتفوق النوعي واستمراريته ضد الاعداء.
يُعد الطوربيد المتقدم ذو الوزن الثقيل من نوع MK48 ذو الامكانيات القتالية الدقيقة من حيث دقة الاصابة ودرجة الاعتمادية، بالاضافة الى الطوربيد من نوع MK46 Mod 5 من شركة ATK، والطوربيد الخفيف الوزن من نوع MK50، العمود الفقري حالياً، ضمن الاسطول البحري الأميركي ومكوناته، المُكلفة بحروب تحت السطح (المضادة للغواصات).
على أن سلاح الطوربيد الثقيل يقوم عادةً بأدوار متعددة؛ فهو يُستخدم ضد الغواصات وضد سفن السطح على حد سواء. في حين يستطيع الطوربيد MK48 Mod 5 بنظام التوجيه المحسن، والطوربيد MK48 Mod 6 المنخفض الضوضاء والضجيج للقيام بأدوار متميزة لا سيما في مجال قتال الغواصات في الأعماق.
أما الطوربيد الخفيف فيعطي سفن السطح وطائرات الدورية البحرية والطائرات العمودية المضادة للغواصات، كافة الوسائل اللازمة لتدمير الغواصات التي تطفو على السطح من وقت لآخر، لدوافع قتالية، علاوة على مشاغلة أية أهداف بحرية تتحرك في المياة الساحلية الضحلة قليلة الاعماق.
ومن هذا المنطلق لا بد للطوربيدات العاملة في بيئات بحرية مُعقدة، وهي السلاح الرئيسي القاتل للغواصات أن تستمر في التغيُر، محدثاً هذا الامر تغييراً أساسياً في الشبكات الالكترونية والمستشعرات العاملة تحت السطح، بما فيها وسائل الاتصالات والمشاغلة التكتيكية وروابط الالياف البصرية.

* باحث وكاتب في الشؤون الاستراتيجية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق